مقالات عامة

غيّر عقليتك بتغيير واقعك

غيّر عقليتك بتغيير واقعك

في بداية مشواري المهني، واجهت صراع شائع جدًا: كنت بخاف أبان غبي قدام زمايلي في الشغل. الخوف ده خلاني أبقى دفاعي جدًا، وساعات منفعل بشكل ملحوظ لما حد يهاجم أفكاري أو يعارضني.

كنت بفتكر إني بحمي نفسي، بس الحقيقة إني كنت بخسر كتير. اتوصفت بكلمات زي “صعب التعامل” أو “ساخر بزيادة”، وده كان بيأثر عليّ مع الوقت، خصوصًا لما بدأت أفكر في أدوار قيادية وإدارة فرق. المهارات القيادية الأساسية زي تقبّل النقد البناء أو الإنصات لوجهات نظر مختلفة كانت صعبة عليّ.

الأسوأ؟ سلوكي ده كان بيتعارض مع قيمي الشخصية اللي بعتز بيها: التعاطف، والثقة، والانفتاح. حسيت إني بقيت شخص غريب عن نفسي، وده خلاني أعيش بإحساس دائم بالندم والإحباط والعار.

بس أنا شفت ناس بتتعامل مع المواقف دي بشكل مختلف، وكنت مؤمن إني ممكن أتغير. وفعلاً، بدأت رحلة طويلة لاكتشاف دماغي، وتدريب نفسي على التفكير بطريقة جديدة، وبالتالي… تغيير واقعي بالكامل.


أول خطوة: اكتشف المحفّز

أغلبنا، لما يحاول يتعامل مع مشاعر سلبية أو تصرفات غير اجتماعية، بيبدأ بـ”الكبت”. بنتعلّمه وإحنا صغيرين: نخبي الغضب، نضحك وإحنا متضايقين، نتظاهر إننا تمام وإحنا محطمين. وساعات ده بينفع، بس كبت المشاعر على المدى الطويل بيأثر على صحتك النفسية، وبيستنزفك.

الطريقة الأذكى؟ تحاول تمنع المشاعر دي من الأساس، مش تتعامل معاها بعد ما تنفجر.

بالنسبة لي، ده كان معناه: متحسش إنك مهدد لما حد يعارض رأيك. سهل تتقال… صعب تتطبق. الفرق كبير بين المعرفة والفعل.

كان هدفي إني أفكر بشكل مختلف. بدأت بتجارب بسيطة، بعضها فشل، وبعضها نجح. ومع الوقت، بدأت أتعرف على طريقة تفكير دماغي، وإزاي بتشتغل. اكتشفت إن “الواقع” اللي إحنا شايفينه مش الحقيقة الكاملة زي ما كنا فاكرين.


الواقع مش دايمًا حقيقي زي ما نظن

كلنا بنعتقد إننا شايفين الحياة زي ما هي. بنشوف، نسمع، نحس، ونستجيب… كأن كل حاجة بتحصل لحظة بلحظة.

بس الحقيقة العلمية مختلفة.

اللي بيحصل هو إن حواسنا بتاخد وقت علشان ترسل المعلومات للمخ — تقريبًا من 50 لـ 100 ملي ثانية تأخير. وده وقت كبير لما تتكلم عن ردود فعل لحظية، زي مسك كرة طايرة أو تفادي خطر.

علشان يعوض التأخير ده، المخ بيبدأ يكوّن “توقعات” للمستقبل القريب، وبيقدملك التوقع ده كأنه هو الواقع.

يعني ببساطة: الواقع اللي بنشوفه هو توقع المخ لما سيحدث بعد لحظات بسيطة.

فكّر في ده شوية… يعني كل واحد فينا ممكن يكون عايش نسخة مختلفة شويّة من نفس الحدث، بناءً على توقعاته الشخصية.

علماء أعصاب بيقولوا إن الواقع مش أكتر من “هلوسة مضبوطة”. والهلوسة دي ناتجة عن توقعات دماغك، مبنية على تجربتك الشخصية، والذكريات، والمواقف اللي مريت بيها.


السيطرة على توقعاتك = السيطرة على واقعك

بمجرد ما فهمت ده، بدأت أغيّر هدفي.

بدل ما دماغي يفسّر إن اعتراض حد على كلامي تهديد لقبولي الاجتماعي، بدأت أدرّبها على توقع حاجة مختلفة: إن الاعتراض ده فرصة لمعرفة جديدة.

يعني بدل ما أتضايق، أبقى فضولي. أسأل، أسمع، وأتعلم. وأهوّل نفسي جوّا المجموعة بدل ما أنعزل عنها.

بس إزاي ندرّب الدماغ على التفكير بالشكل ده؟


كيف تتكوّن التوقعات أصلًا؟

التوقعات دي محتاجة مجهود. والمخ، بطبيعته، بيحب يوفّر الطاقة. علشان كده بيستخدم اختصارات ذكية اسمها “التحيزات العقلية” أو heuristics.

الدكتور “دانيال كانيمان” شرح ده في كتابه الشهير “التفكير السريع والبطيء”. المخ بيستخدم قواعد جاهزة تساعده ياخد قرارات سريعة و”قريبة من الصح”. مش لازم تبقى دقيقة، المهم تنقذك في الوقت المناسب.

دي أمثلة على أشهر 5 اختصارات عقلية:

  • التحيز للتوافر: لو المعلومة سهلة التذكّر، تفتكر إنها أكتر حدوثًا.
  • التحيز التمثيلي: بنصنّف المواقف حسب ما يشبهها من مواقف تانية.
  • التحيز للثبات: بنميل نتمسك بأول فكرة جات لنا.
  • التحيز العاطفي: لو القرار حسسنا بشعور حلو، نفتكره القرار الصح.
  • التحيز للاستمرار: لو بدأنا حاجة، بنحب نكملها علشان بس بدأناها.

أنا شخصيًا ركزت على أول اتنين: التحيز للتوافر، والتمثيلي.

استخدمتهم إزاي؟ ركّزت على تجميع تجارب تربط “القبول والانتماء” بفكرة “سماع وجهة نظر مختلفة”.


بناء قاعدة بيانات جديدة لمخك

بدأت أقرأ، وأحضر ندوات، وأتعامل مع ناس عندهم وجهات نظر متنوعة. وكنت باخد كل موقف، وأسجله في دماغي كدليل جديد إن “الخلاف مش تهديد… بل فرصة للنمو”.

ومع الوقت، بدأت ألاقي نفسي برد بشكل مختلف. في الأول كنت لازم أذكّر نفسي بالهدف، بس بعدين… الموضوع بقى تلقائي.

وكل مرة بتعدي بسلام، بتكون بمثابة نقطة في ملف الخبرات الإيجابية، اللي بيغذّي توقعاتي الجديدة، ويخلي الواقع الجديد يترسّخ جوا دماغي.

النتيجة؟ قدرت أغيّر فعلاً استجابتي، ومن هنا بدأ واقعي الداخلي يتغير.


الواقع الجديد… قرار واعي

التحول ده ما جاش في يوم وليلة. خد سنين من الشغل على نفسي، اختيارات واعية في حياتي المهنية، فلترة للمحتوى اللي باستهلكه، وتحكم في دوائري الاجتماعية.

أنا مش بحاول أهرب من صعوبات الحياة. لكن بحاول أواجهها وأنا ثابت، ومنسجم مع قيمي الحقيقية.

هل ده معناه إني مثالي؟ إطلاقًا.

لسه ساعات بعمل ردود أفعال غلط، ولسه بقول كلام أندم عليه. لكن الفرق إن دلوقتي عندي “اختيار”. عندي الوعي اللي يخليني أوقف، وأفكر، وأعيد بناء رد فعلي.


الخلاصة: الواقع قابل للتشكيل

أنت مش ضحية لظروفك أو ماضيك. أنت عندك القدرة، بل والمسؤولية، إنك تراجع واقعك، وتغيّره من جوّا. مش عن طريق كبت المشاعر، ولكن عن طريق تغيير التوقعات اللي بتولّد المشاعر دي.

التغيير مش سهل… لكنه ممكن.

ابدأ بسؤال بسيط: “هل الواقع اللي بشوفه… هو فعلاً الحقيقة؟ ولا مجرد توقع قابل للتعديل؟”

الإجابة على السؤال ده… ممكن تكون بداية تحول في حياتك كلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى