لم أكن أعلم أن هذه العادات اليومية كانت علامات على مشاكل نفسية
لم أكن أعلم أن هذه العادات اليومية كانت علامات على مشاكل نفسية

نحن نحمل أشباحًا لا يراها أحد
كلنا بنعيش ومعانا “أشباح” مش باينة.
مش أشباح بتظهر في أفلام الرعب، لا. أشباح بتلبس وشوش ضاحكة، بتحضر الاجتماعات، بتضحك مع أصحابها على العشاء، وبتخبي دموعها في المواصلات.
سنين طويلة كنت فاكر إن اللي بحس بيه مجرد “صفات شخصية”. كنت بقول عن نفسي “أنا بس شوية غريب”، “أنا حساس شوية”، أو “أنا دقيق زيادة”.
لحد ما في مرة، صاحبي المقرب بص لي وقاللي: “دي مش صفات… دي صدمة نفسية قديمة”.
الكلمة دي خبطتني زي ما تكون عربية دعستني.
بدأت أراجع كل حاجة. أنا مش “كسول”، ومش مجرد “مثالي”، ومش “ببالغ في التفكير”.
أنا راجل عندي 30 سنة، اتعلمت في أمريكا، ورجعت الهند بشنطة مليانة ذكريات مكبوتة، وخوف ما كنتش عارف أسميه، وقلق مربوط على روحي.
الشبح… كان أنا.
لما كنت فاكر نفسي كسول… لكن الحقيقة إن مخي كان بيحاول ينجو
وأنا صغير، أهلي كانوا دايمًا يقولولي “إنت كسول”. كنت أرجع من المدرسة محطم، أترمي على السرير وأقول: الواجب؟ بكرة. المواعين؟ عندي عذر.
كبرت وأنا مقتنع إني “مش نافع”. ولما بدأت أشتغل، كل وظيفة جديدة كنت بتحمس ليها أول أسبوع، وبعدها أحترق تمامًا. في مرة فضلت في السرير أسبوع كامل، بحجة “الأنفلونزا”، وأنا في الحقيقة مش قادر أتحرك من الاكتئاب.
ولا مرة خطر في بالي إن ده ممكن يكون له اسم… غير الكسل.
لحد ما صاحبتي، اللي دارسة علم نفس، قالتلي: “دي مش كسل… ده خلل في الوظائف التنفيذية للمخ”.
يعني ببساطة، مخي مش بيهرب من المهام لأنه مش فارق معاه، لكن لأنه بيحاول يحمي نفسه من الانهيار.
كنت عايش في وضع اسمه “وضع البقاء”، ولبست شخصية “الراجل اللي بيشتغل ويضحك ويمشي الأمور”.
وصاحبي “نيخيل”، اللي دايمًا منظم وبياخد باله من الكل، اكتشفت إنه بقاله 10 سنين مابيطلبش مساعدة من حد، لأنه مقتنع إنه لو طلب… الناس هتكرهه.
في مرة خلع كتفه وهو بينقل أثاث لوحده، ورفض يتصل بالإسعاف. قاللي: “صحيت اليوم التاني حاسس إني لو طلبت مساعدة… الناس هتكرهني”.
ده مش استقلالية… دي “استقلالية مفرطة” ناتجة عن صدمة.
وكم واحد فينا عامل كده؟
لما كنت بسرح وبلوم نفسي على كل كلمة… ومفكرتش إن ده علامة خطر
كنت براجع كل محادثة في دماغي، مش علشان أنا فاضي، لكن علشان كنت مرعوب أغلط في الكلام.
مرة استخدمت إيموجي غبي في رسالة واتساب، والشخص مردش… فضلت صاحي طول الليل بلوم نفسي. “أكيد هو مستغربني”، “أكيد شكلي غريب”.
مرة تانية، خدت B+ في مادة وأنا بدرس الماجستير، فضلت يومين مش بنام، وعيطت وأنا بأستحمى. مش علشان الدرجة، لكن علشان كنت حاسس إن كل تعبي وسهر الليالي راح في الهوا.
كنت فاكر نفسي “طموح جدًا”.
لكن في الحقيقة… كنت قلِق جدًا.
مرة، شريكي في السكن لقاني واقف قدام المراية، ببص في الفراغ، عيوني فاضية، ومش قادر أكمّل جملة. قاللي: “إنت كويس؟”
بس أنا مكنتش هناك… كنت “انفصلت ذهنيًا”.
لسنين طويلة، كنت فاكر إن كل الناس بتعمل كده لما تبقى مضغوطة. لكن لما بدأت أزور معالجة نفسية بعد الجائحة، فهمت إن ده اسمه “الانفصال”، وإنه مش طبيعي.
أختي “آرتي” كانت دايمًا مبتسمة، حتى في فرحها. بس بعد الفرح، قالتلي إنها كانت بتخطط تهرب في أي لحظة لو جالها نوبة هلع.
يعني ببساطة… حوالينا ناس ناجية، بتضحك، وبتشتغل، وبتعيش، لكن جواهم عاصفة.
لما كنت بسخر من تصرفاتي، وطلعت نداءات استغاثة
وأنا في الجامعة، كنت بتكلم مع نفسي كتير، أحيانًا بصوت عالي. كنت بمثل حوارات في المراية، وأستخدم إيدي وأنا بتحرك كأني واقف على مسرح TED.
لما حكيت ده لصحابي، ضحكوا وقالولي “إنت مجنون شوية”، وفضلت أضحك معاهم.
مرة حكيت الموضوع لماما، ووشها اتغيّر. قالتلي بهدوء: “أنا كنت بعمل كده… بس بطلت لما سمعت صوت مش صوتي”.
ساعتها حسيت إننا بنورّث الألم.
واحد زميلي في الشغل كان بيكره المناسبات الاجتماعية، لدرجة إنه خرج من يوم الترفيه بتاع الشركة، وقعد في عربيته. لقيته بيترعش. قاللي: “كنت حاسس قلبي هينفجر… وكل الناس هتشوفني بموت”.
كانوا بيقولوا عليه “مش اجتماعي”. بس هو كان بيعاني من اضطراب هلع.
وصديقتي حكتلي مرة إنها كانت بتفكر في الموت. قالتلي: “كنت في المحاضرة وبقول لنفسي، يا إما أكتب المقال ده، يا إما… ممكن مش أكون موجود بكرة”.
مفيش خطة. بس الفكرة كانت دايمًا موجودة.
المؤلم؟ إن القصص دي مش نادرة.
لكن إحنا بنسميها: “مزاجي”، “خجول”، “حساس زيادة”، “غريب”، “كسول”، “مثالي”، “موسوس”.
وفي الحقيقة… إحنا بنحاول ننجو، بصمت.
ممكن تكون شكلك طبيعي… وجواك الدنيا بتقع
واحدة من أخطر الكذبات اللي بنقولها لنفسنا: “طالما مش بموت… فأنا بخير”.
لكن الحقيقة؟ المرض النفسي مش دايمًا بيزعق. أحيانًا بيهمس.
بيهمس لما بتكنسل خروجة لأنك “مش مرتاح”.
بيهمس لما تكتب رسالة خمس مرات قبل ما تبعتها.
بيهمس لما تحط احتياجات الناس كلها قبلك… علشان متحسش إنك عبء.
أنا شفته في ناس مش بتقدر تنظّف أوضتها، لكن تقدر تعمل 6 شيتات إكسل في نفس اليوم.
شفته في أصدقاء بيناموا تحت البطانية 17 ساعة علشان يهربوا من الضوضاء اللي جواهم.
شفته في ناس بتنفجر في اللي حواليهم، مش علشان مضايقينهم… لكن علشان أعصابهم اتحرقت.
وشوفت ده في نفسي. كنت بقول “أنا قوي”، وكنت في الحقيقة… مش حاسس بأي حاجة.
كنت بشوف كل حاجة منافسة. كنت بضحك وأنا بتمنى أختفي.
المرض النفسي مش بس اكتئاب أو قلق.
هو آلاف التعديلات الصغيرة اللي بنعملها علشان نعيش في عالم مش مخصص للناس اللي بتحس كتير.
حان الوقت إننا نتكلم عن الأشباح اللي جوهنا
سنين طويلة كنت فاكر إن أنا “مش طبيعي”، أو “ضعيف”.
النهارده عرفت إن اللي كنت فيه هو إنسانية نقية، بتصارع كل يوم في صمت.
لو الكلام ده لمس فيك حاجة… فخليني أقولك:
أنت مش لوحدك.
أنت مش مكسور.
أنت مش “بتبالغ”.
اتكلم. روح لمعالج. اكتب اللي جواك. اخرج يتمشى. نام. اطلب مساعدة. سمّي الشبح اللي جواك.
الدنيا مش محتاجة ناس بتنجو… محتاجة ناس بتتعافى.
“الطبيعي” اللي حوالينا ده، هو في حقيقته ناس كتير بتموت بالبطيء من جوا.
لو المقال ده لمسك… شاركه.
واكتبلي تحت: إيه حاجة كنت فاكرها عادة عندك، وطلعت علامة أعمق بكتير؟
خلينا نتكلم عن الأشباح.
خلينا نخرجهم للنور.
الصمت مابقاش بيخدمنا.