
الاستيقاظ المبكر لم يكن يومًا ضمن طبيعتي. اعتدت لسنوات أن أكون من أولئك الذين يسهرون حتى منتصف الليل، وأظن أن هذا قدري. لكن وسط فوضى سنوات الجامعة الأخيرة، ومع ازدحام الأيام بين المحاضرات والعمل وأوقات الراحة النادرة، بدأت أشعر بالحاجة إلى روتين يمنحني نوعًا من السيطرة على حياتي.
في تلك الفترة، قرأت إحدى روايات الكاتب الياباني “هاروكي موراكامي”، ولفتني قوله في أحد لقاءاته: “عندما أكون في مزاج الكتابة، أستيقظ في الرابعة فجرًا وأكتب لمدة خمس أو ست ساعات، أركض بعدها عشرة كيلومترات أو أسبح 1500 متر، ثم أقرأ وأستمع للموسيقى. أخلد للنوم في التاسعة مساءً. أكرر هذا الجدول يوميًا، لأن التكرار نفسه يصبح شكلًا من التنويم الذاتي.”
تأملت هذه الكلمات كثيرًا. لم تكن مجرد نصيحة. كانت تجربة حياة. عندها قررت أن أبدأ التغيير، لا بالعنف أو القسوة، بل بأسلوب رحيم ومتصالح مع النفس. بعد 3 أشهر، تمكنت من الاستيقاظ كل يوم بين الخامسة والخامسة والنصف صباحًا دون منبّه. وهذا ما تعلمته.
حدّد سببًا واضحًا للاستيقاظ المبكر
الاستيقاظ في وقت لا يستيقظ فيه أحد من حولك ليس أمرًا سهلًا. ولن تنجح أبدًا إن لم يكن لديك سبب قوي يقودك إلى هذا النمط. ليس مجرد “أريد أن أكون منتجًا”. بل سبب أعمق.
في حالتي، كنت على وشك التخرج، وكنت أعلم أن المرحلة القادمة هي الأهم في حياتي. سنوات من الحرية والدخل، وعليّ أن أستغلها. إذا أردت أن أهرب من حياة العمل التقليدية من التاسعة إلى الخامسة، فعليّ أن أبدأ الآن. والعمل في الصباح أسهل بكثير من الليل.
إن لم يكن لديك سبب واضح، جرّب تحليل “لماذا؟” خمس مرات. ابدأ بجملة مثل: “أريد أن أستيقظ في الخامسة صباحًا كل يوم”، واسأل نفسك لماذا. وكرّر هذا السؤال خمس مرات. ستجد في النهاية السبب الجذري الذي قد يدفعك لتغيير حياتك فعليًا.
وازن بين ما ستكسبه وما ستخسره
في البداية، لم أكن أدرك ما سأخسره مقابل الاستيقاظ المبكر. كنت أخرج مع أصدقائي ليلًا، أعود متأخرًا، وأوهم نفسي أنني سأستيقظ باكرًا رغم كل شيء. كنت أفشل في كل مرة.
الاستيقاظ المبكر لا يُضيف وقتًا لليوم. بل يُعيد توزيع الوقت. إن لم تنم بشكل كافٍ، ستنهار. لذلك قررت أن أنام 8 ساعات بدلًا من 6. صحيح أنني فقدت ساعتين يوميًا من وقتي الليلي، لكنني في المقابل، أصبحت أكثر يقظة ونشاطًا طوال النهار.
بعد العودة من العمل في الخامسة مساءً، لدي فقط أربع ساعات قبل النوم. أحتاج فيها للتنقل، وتحضير الطعام وتناوله، والرياضة، ثم الاسترخاء. هذه المهام تستهلك الوقت بالكامل. لذلك أصبحت أتنازل عن بعض الأمسيات الاجتماعية، وألتزم بحياتي داخل “علبة صغيرة”، لكنها مريحة وممتلئة بالمعنى.
خصص يومًا للفوضى المنضبطة
من حين لآخر، أسمح لنفسي بكسر القواعد. ليلة في الأسبوع، عادة ليلة الجمعة، أخرج مع أصدقائي وأسهر كما يحلو لي. لكن هذا مقرر ومنضبط. لا يتكرر أكثر من مرة. بهذه الطريقة أجد توازنًا بين الانضباط والحرية.
النوم هو البداية
أهم عامل للاستيقاظ المبكر ليس ضبط المنبّه، بل النوم المبكر. عندما حاولت الاستيقاظ في الخامسة دون أن أغيّر موعد نومي، فشلت بشدة. ظننت أنني سأنتصر بقوة الإرادة، لكنها خذلتني.
نم ما يكفي
كنت أعتقد أن 6 ساعات كافية. لكن الحقيقة، هي أن جسدك بحاجة إلى 8 ساعات ليستيقظ دون مقاومة. عندما بدأت النوم في التاسعة مساءً، استطعت الاستيقاظ في الخامسة بدون منبّه.
في البداية، نم أكثر من اللازم
في بداية التغيير، لا تضع منبهًا. دع جسدك يعتاد على الإيقاع الجديد. احتجت أسبوعًا تقريبًا حتى بدأت أستيقظ طبيعيًا في الخامسة صباحًا. هذه عملية طويلة، لا تُسرعها.
لا تغيّر كل شيء دفعة واحدة
من المغري أن تستغل الصباح للبدء بكل المشاريع التي أجلتها. لكن إن حاولت تغيير نمط نومك، ونظامك الغذائي، وخططك الإنتاجية في وقت واحد، ستفشل. ابدأ بشيء واحد: النوم مبكرًا. فقط.
استمتع في البداية
لا تشعر بالذنب إن استيقظت ولم تعمل. في أول أسبوعين، كنت أستيقظ وأشاهد يوتيوب أو أقرأ بلا هدف. كان شعورًا جميلًا. ومع الوقت، بدأت أكتب، وأعمل، دون أن أفرض ذلك على نفسي.
اصنع روتينًا صباحيًا
حتى بعد أن أصبح الاستيقاظ المبكر عادة، ما زلت أعتمد على روتيني الصباحي لأبدأ يومي. أول ما أفعله هو الكتابة. أستخدم طريقة “صفحات الصباح” — أكتب 4 صفحات صغيرة دون توقف أو تفكير. هذا التمرين أطلق إبداعي وساعدني على التخلص من التوتر.
ليس عليك فعل الشيء نفسه. ربما تفضل التأمل، أو تمارين اليوغا، أو إعداد كوب شاي. المهم أن يكون لديك روتين يمهّد ليومك ويخبر عقلك: “حان وقت النهوض”.
استخدم المنبه كخطة طوارئ
لا تضبط المنبه لتوقظك، بل ليطمئنك فقط. إن اعتمدت عليه، ستكره صوت رنينه. لكن إن حصلت على نوم كافٍ، ستستيقظ طبيعيًا قبله. أنا أضبط منبهي على الخامسة والنصف، لكنه لا يرن أبدًا، لأن الضوء يوقظني قبل ذلك.
جرّب منبهات الضوء
أفضل منبه استخدمته هو منبه الضوء. يبدأ بالسطوع تدريجيًا قبل 30 دقيقة من الوقت المحدد. ولأنه لا يزعجني، فهو وسيلة رائعة للاستيقاظ بلطف، خصوصًا عندما يكون الجو مظلمًا.
أبعد هاتفك عن السرير
إن كنت تنام وبجانبك هاتفك، فأنت تعيق نفسك عن النجاح. في الماضي، كنت أتحقق من الرسائل، وأتصفح السوشيال ميديا، وأشاهد فيديوهات قبل النوم وفي الصباح. لم أكن أستطيع المقاومة.
الحل؟ أنقل الهاتف إلى غرفة أخرى. ضع الشاحن في المطبخ، أو في غرفة المعيشة، أو في المكتب. لا تلمسه قبل مغادرة السرير.
هل الميلاتونين مفيد؟
الميلاتونين هرمون طبيعي يساعد على النوم. يتوفر في بعض الدول كمكمل غذائي دون وصفة طبية. استخدمه فقط عند الضرورة — إذا تأخر نومك يومًا ما، أو شربت قهوة في وقت متأخر.
الجرعة المثالية هي 0.3 ملغ. لكنني أستخدم 1 ملغ وأقسمها لنصف. لا تستخدمه يوميًا حتى لا تعتاد عليه. اجعله خطة طوارئ فقط، لا وسيلة دائمة.
في النهاية، ما تعلمته هو أن الاستيقاظ في الخامسة صباحًا لا يبدأ من الصباح، بل من الليل. من قرارك بالتضحية ببعض الراحة المؤقتة، مقابل وضوح وهدوء وصفاء. ليس سهلًا، لكنه يستحق.